الأزمات المعيشية والاقتصادية تُلاحق الفقراء وتحرك الشارع... وارتفاع بمعدلات لجوء اللبنانيين الى المهدئات ... الى متى؟!

تحت عنوان "الأزمات المعيشية تُلاحق الفقراء وتتحوّل نفسية وعصبية وهروباً الى المُهدّئات"، نشر محمد دهشة في "نداء الوطن":

أفقدت الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة ثم جائحة "كورونا" وتداعياتها، اللبنانيين أعصابهم، يُساورهم الإضطراب وقلّة النوم والخوف على مصيرهم ومُستقبل أولادهم، تحوّل فُقدان الأعصاب عند البعض مرضاً موقتاً، يُلازم سلوكياتهم وتفاصيل مُعاملاتهم اليومية، وهو يظهر بوضوح في المزاجية والعصبية وضيق الخلق والتنفّس، بينما لا يزال الولوج في هذا الموضوع ممنوعاً ويجري خلف غُرف مغلقة في غالبية الأوقات.

لا يخُفي أحمد، وهو ربّ عائلة لثلاثة اولاد، انه بدأ يشعر بعوارض غريبة منذ منتصف العام الماضي، تكاتفت كلّ عوامل الضغط عليه لتجعله مُتقلّب المزاج، يكون طبيعياً حيناً وعصبياً حيناً آخر من دون سبب منطقي. يقول لـ"نداء الوطن": "كنت أعمل في مطعم ومقهى متواضع في صيدا، قبل أن يُقفل أبوابه نتيجة الأزمة الاقتصادية، حاولت عبثاً البحث عن عمل بديل بلا جدوى، فأصبحت عصبياً وأُخانق خيالي، تغيّرت معاملتي مع زوجتي واولادي، وبت اكثر انعزالاً وانزواء"، قبل أن يُضيف: "خجلت من الذهاب الى طبيب نفساني للعلاج، أُدرك ان تداعيات الأزمات تحوّلت اضطراباً وعدم استقرار، لجأت الى بعض المُهدّئات وحالتي تسوء، الاحلام تحوّلت كوابيس مخيفة، أخجل من أن اتّحدث عن الموضوع، وعندما اندلعت انتفاضة تشرين، نزلت في بعض الأحيان الى ساحة الثورة، ونفّست عن غضبي وأسعى الى التغيير".

مُهدّئات ومُكابرة

في أروقة الكثير من الجلسات الإجتماعية والشبابية والعائلية، تدور أحاديث عن لجوء بعض الناس الى تناول المُهدّئات والأدوية التي تُساعد على النوم وتهدئة الأعصاب، تُصرف في الصيدليات من دون وصفة طبية، وسط ملاحظة بأن أعداد الناس زادت في الآونة الاخيرة نتيجة الأزمات المُتلاحقة من الإنهيار المالي، الغلاء وارتفاع الاسعار، ويؤكدون أن البعض بات يحكي نفسه في الشارع، والبعض الآخر أُصيب بنوبات قلبية نتيجتها، لا سيّما خلال فترة حجز الأموال في المصارف وعدم تمكّن اصحابها من سحبها كما يريدون، وإنّما وِفق آلية مُحدّدة حوّلتهم الى ما يشبه المتسوّلين مع جنى عمرهم".

ويؤكّد أخصّائي في الأمراض العصبية والنفسية لـ"نداء الوطن"، أنّ نتائج الأزمة لم تظهر بشكل نهائي بعد، وهي تحتاج ما بين ثلاثة الى ستة أشهر من انتهاء أي أزمة"، مُتوقعاً أن تبدأ نتائجها السلبية بالظهور بعد انتهاء "كورونا" بشكل كامل، وربما في نهاية العام الجاري إذا طال أمدها، لأن البعض ما زال يُكابر على نفسه ويحاول أن يُعالج نفسه بنفسه"، موضحاً أن "الإقبال الإفتراضي زاد على زيارة العيادات النفسية، ولكن الضائقة المالية تمنع كثيرين من تحويلها فعلية أو دائمة، لا سيما وأن المُعاينة ارتفعت بشكل كبير، وباتت تصل عند بعض الأطباء في بيروت الى 280 الف ليرة، بينما في صيدا تفوق الـ 150 الف ليرة"، مؤكّداً أن "الطبقات الفقيرة هي الأكثر تضرراً من أزمات كهذه، علماً أننا ما زلنا نحصد تداعيات الإنهيار المالي والإقتصادي والمعيشي منذ تشرين الأول الماضي، والإرتدادات السلبية، ونأمل في ألّا نصل الى الأسوأ".

ميدانياً، تحوّلت عملية ضبط سوق صرف الدولار الاميركي مشهداً مُتناقضاً، تمثل بالإقبال على محلي الصرافَين "حلاوي والقطب" في صيدا، لشراء الدولار بالسعر الذي حددته النقابة بـ 3910 ليرات لبنانية، في اعتبارهما الوحيدين في المدينة المُصنّفين من فئة "أ"، وذلك للحصول على مبلغ 200 دولار كحدّ أقصى، بعد تقديم المستندات المطلوبة من إبراز الهوية او تصريح العاملات الأجنبيات ضمن الإجراءات المُتّخذة، مُقابل توقّف باقي الصرّافين في شارع رياض الصلح الرئيسي عن إتمام اي عملية بسبب فقدان السيولة بالدولار الاميركي، وإلزامهم بالسعر الذي حدّدته نقابتهم حصراً وبهامش مُتحرّك بين: الشراء بسعر 3860 كحد أدنى، والبيع بسعر 3910 كحد أقصى، علماً أن الاتفاق الذي تمّ بين الحكومة ومصرف لبنان بوشر بتطبيقه الإثنين ولم يساهم في ايجاد حلول، إذ بقي التداول في السوق السوداء الموازية ناشطاً، ووصل سعر صرف الدولار الاميركي الى نحو 4800 حسبما أفاد احد المواطنين، خصوصاً وان عدداً منهم يشتريه بسعر 3910 من "حلاوي وقطب" ويبيعه في السوق السوداء بسعر أعلى.