بعد ان أضحَت خُلاصة التحقيق الأوّلي اليوم تشيرُ الى أنّ إنفجار المرفأ (٤ آب ٢٠٢٠) ناجم عن حريق وليس صاروخ أو عمل إرهابي، صار بإمكاننا السؤال عن جهاز الأمن والسلامة في المرفأ ومسؤوليّته عن الحادث، تماماً كما يسأل الجميع عن الذي خزّن البضائع وأحضرها.
ففي هكذا مؤسّسة او مرفق عام، تأخُذ إجمالاً إجراءات الاطفاء ومكافحة الحريق حيّزاً كبيراً من الدراسات والتجهيز وتكون في معظم الأحيان مدروسةً ومقدّمة من قبل شركة استشارات ودراسات تُشرف على تنفيذها وتشغيلها وصيانتها والتدريب على استعمالها. فمن البديهي ان يكون نظام الإطفاء في المستودعات اوتوماتيكيّاً، إجراء اكثر من بسيط وخاصةً في المستودعات التي تحوي مواداً شديدة الإشتعال ومتفجّرَة. فيكون المستودع مثلاً خالٍ من الكهرباء ومراقب بجهاز إنذار لكشف الحريق سريعاً (Early detection) وجهاز اطفاء اوتوماتيكي (Sprinkler system) لمنع إمتداد الحريق والسيطرة عليه.
إنّ أبسط الامور تكون بوجود خطّة لإخلاء المرفأ (Emergency action plan) فيها مسؤول يتّصل ويبلِّغ عن الحريق وعن المواد المشتعلة وخطرها وعن ضرورة الإخلاء او عدمه وتوزيع الأدوار بحسب التدريبات والإجراءات المتفّق عليها وكلّ ما هو مطلوب لتفيذ إخلاء منظّم وفعّال لتجنّب أي كارثة محتملة.
لا يمكن لعاقل أنّ يتخيّل أنّ كلّ ذلك غير موجود والسؤال البديهي هو:
لماذا لم يُنَفَّذ أي مخطط او مشروع للحماية من الحريق داخل المستودعات مع العلم انّ الكلفة لا تُذكر ولا تتعدّى ال٣٠٠،٠٠٠ دولار اميريكي للمستودع مثلاً؟
لماذا لا توجد وحدة لمكافحة الحريق داخل المرفأ؟
لماذا لا يوجد مسؤول سلامة ليُقرّر ويطلب الإخلاء الفوري للمكان؟
لماذا لم تَكُن إجراءات السلامة مؤمّنة ومخطّط لها سابقاً؟
ماذا لو حدث حريق بسيط في مستودع الآن؟ كيف تَتُم المعالجة الفوريّة؟
ما هي الخطّة التي يجب إتّباعها؟
ما اهميّة الحريق ومخاطره على البضائع؟ إذ تُعتبَر قيمة البضائع سبباً إضافيّاً للحماية.
ما صعوبة إخماد الحريق والسيطرة عليه؟
…الخ
كلّ هذه الأسئلة المشروعة تُحتّم تحقيقاً ثانياً يجرِّم المهمِل ويُعاقب الإدارة الغير مسؤولة ويدّقِّق بالمسؤوليّات والإجراءات والتدابير ويَسأل عن الإستشاري ودوره وتقاريره، إذا كان موجوداً. فبوجود نظام إطفاء بسيط، كُنّا انقذنا الموقِف وحَمينا الناس والمرفأ.
الكلّ في لبنان يسمع عن الفساد والهدر والسرقات وانا منهم ولكنني بصراحة مذهول بسبب هذا الواقع المذري الرديء العفِن الغير مُبَرَّر الذي لا يُمكن ان يُفسّر.
لماذا لم تُحترم معايير السلامة؟ لماذا لم تُحترم معايير الإطفاء الإلزاميّة اصلاً في المرافئ؟ ألم يكن بالإمكان صرف نحو مليونا دولار للحماية من الحريق ؟؟ ألم يكن ممكناً الاهتمام بهكذا موضوع وجعله اولويّة ووضع خطط لتلزيمه وتنفيذه؟؟
هلّ من الممكن ان لا يكون هنالك مشروع مُقدّم وغير منفّذ لأنظمة إطفاء وحماية في المرفأ منذ التسعينات حتى اليوم؟
سُؤال حيّرني كثيراً وقد يُحيّر ايضاً العلماء والخبراء في العالم اجمع.
كلّ شيئٍ وارد في بلد العجائب هذا.
لا مسؤوليّة ولا إحترام للقوانين وبخاصة تلك المتعلِّقة بالسلامة والأمن إذ أنّها دائماً تأتي في المرتبة الأخيرة في ايّ مشروع، أو تكون بسيطة وشكليّة وغير إلزاميّة بالحد الادنى.
إنّ الإستهتار وعدم إحترام المعايير تكون عواقبه وخيمة ومميتة عند الشعوب ولا مبرِّر بعد اليوم لعدم الإلتزام والتهرُّب.