كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": قبل شهر ومع الانفجار الهائل في 4 آب ضمن مرفأ بيروت وما أحدثه من خسائر في الأرواح والممتلكات والأرزاق، أكثر المتفائلين من اللبنانيين فقدوا الأمل في وطن شعروا أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة مع حكومة عاجزة، وسلطة منزوعة الشرعية الشعبية، وأمن مفقود، وإقتصاد منهار، وعملة وطنية باتت في الحضيض.
فجأة ومن تحت ركام بيروت، خرج أمل جديد تمثل بتوافق سياسي على تسمية الدكتور مصطفى أديب رئيسا مكلفا لتشكيل الحكومة (90 صوتا)، وبغطاء واسع من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار لبنان للمرة الثانية متوعدا المسؤولين السياسيين بعقوبات قاسية إذا لم يجنحوا نحو تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي.
لم يكن لدى ماكرون أي حرج في أن يطلب من كل الأطراف وضع الأمور الخلافية جانبا أو سحبها مؤقتا من التداول لا سيما الانتخابات النيابية المبكرة وسلاح حزب الله، وإعطاء الأولوية للعملية الاصلاحية بكل جوانبها التي من المفترض أن تبصر النور خلال ثلاثة أشهر، على أن تترافق مع التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وإعادة الاعمار، ومواجهة كورونا.
حتى إنتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف في عين التنية كان التأثير الفرنسي ما يزال مسيطرا على القوى السياسية التي أعلنت أنها لا تطلب شيئا لنفسها، كما أكدت على لسان مسؤوليها أنها ستساهم في تسهيل مهمته في تشكيل حكومة من إختصاصيين خالية من المحاصصة تكون قادرة على الاصلاح والانقاذ.
لكن مع إشراقة اليوم التالي للاستشارات، شعر البعض أن كلام الليل قد محاه النهار وأن الطبع غلب التطبع، حيث عادت بعض المصطلحات لتفرض نفسها بدءا من عدد أعضاء الحكومة، بين رغبة الرئيس المكلف بـ 14 الى 16 وزيرا، ورغبة رئيس الجمهورية بـ 24 وزيرا، وصولا الى بعض الألغام التي وضعت في طريق التأليف تحت مسميات “المداورة في الحقائب الأساسية وحسن التمثيل والحرص على التوازن”، وهي عبارات مرادفة للمحاصصة والتمثيل السياسي وحق هذه الطائفة أو غيرها بهذه الحقيبة الوزارية أو تلك”، الأمر الذي قد يعرقل عملية التأليف التي قد تحتاج الى أكثر من 15 يوما في حال لم يلتزم الجميع بالتعهدات التي قدموها أمام الرئيس الفرنسي ومن ثم إلتزموا بها خلال الاستشارات.
في غضون ذلك، تشير معلومات مؤكدة أن كل التشكيلات الحكومية التي تطرح في مواقع التواصل الاجتماعي لا تمت الى الحقيقة بصلة، وأن الرئيس المكلف الذي أطلع رئيس الجمهورية أمس على نتائج الاستشارات يعمل على خطين، الأول القيام بدراسة متأنية جدا لتشكيل حكومة من الأكفاء والإختصاصيين القادرين على تشكيل فريق عمل منسجم يشبهه، والثاني مراقبة سلوك التيارات السياسية تجاه عملية التأليف.
وتؤكد المصادر السياسية أن أديب جاء ليلعب دورا إنقاذيا وليس سياسيا، وبالتالي فإن ليس لديه ما يخسره، فإذا نجح في إيجاد التشكيلة التي يرضى عنها فإن ذلك سيساعد على الانطلاق بجدية في عملية الاصلاح والانقاذ وإستعادة ثقة المجتمع الدولي الذي قد يفرج عن بعض الأموال التي من شأنها أن تنعش الاقتصاد وتساعد على النمو، أما إذا شعر أن هناك من يتربص به من التيارات السياسية لابتزازه أو لفرض عليه بعض الشروط التي لا تتناسب مع توجهاته فإنه قد يقدم على الاستقالة.
وتقول هذه المصادر: إن من مصلحة كل الأطراف السياسية تسهيل ولادة حكومة الرئيس أديب التي تعتبر الخرطوشة الأخيرة للانقاذ، خصوصا أن ماكرون هدد يعقوبات قاسية في حال عاد مطلع كانون الأول لم يجد الاصلاحات المطلوبة، ما يعني أن البلاد مهددة بالعودة الى أجواء إنفجار 4 آب، وما قد يحمله ذلك من تداعيات كارثية على الجميع.