عندما تتجسد العلاقات الأسرية في أسمى صورها: يزن من ذوي الاحتياجات الخاصة يبيع 'غزل البنات' ليساعد شقيقته في إكمال دراستها ولتأمين مصروفه الخاص..

يواجه الطلاب الذين يكملون دراستهم الجامعية في الخارج مصيراً مجهولاً في ظل إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وامتناع المصارف عن تأمينه وفق سعر الصرف الرسمي، وتعميم حاكم مصرف لبنان الذي أعطى من يملكون حسابات بالعملة الأجنبية الحق في التحويل تاركاً مصير الباقين في مهب الريح.

يقضي اللبناني حياته في العمل لجمع ما تيسر من النقود ليصرفها على شيخوخته التي يتوجب على الدولة رعايتها، أو على أبنائه لإكمال تحصيلهم العلمي وتأمين وظيفةٍ لهم ليحملوه في كبره، غير أن المستقبل المقفل على الحلول في لبنان دفع باللبنانيين إلى إبتكار الحلول لأزماتهم التي تعجز الدولة عن حلّها.




أن ترى مبادرة شبابية أو من رجل ستيني يعمل في "أي شيء" ليستطيع تأمين مستلزمات حياته فهو أمرٌ طبيعي، أما أن ترى شاباً لم يكمل الثامنة عشرة من عمره وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة والأحوج للمساعدة، دفعته روح المسؤولية في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس أجمع إلى العمل لمساعدة والده في تأمين القسط الجامعي لشقيقته، التي تدرس الطب في بيلاروسيا منذ ثلاث سنوات فهي المعجزة بعينها.

يزن سراج الرفاعي إبن الثمانية عشر عاماً وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة ويتنقل على كرسيه المتحرك، بدأ منذ أسبوعين العمل في بيع "غزل البنات" أمام أحد المحلات على طريق السندباد في بعلبك، بعد أن قدمت له صاحبة محل لبيع الدجاج المكان بالمجان ليتسنى له بيع بضاعته، وتعينه في التنقل والحركة والمبيع أيضاً.




يقول يزن لـ"نداء الوطن"، وهو الذي كان يقيم في مركز بحنس الصحي والمقفل منذ شباط بسبب جائحة كورونا، أن "فكرة العمل بدأت من منطلق مساعدة والدي في تأمين مصروفي الشخصي ولأريحه من ثقل الحمل فهو يتعب في عمله، ولأساعد أيضاََ شقيقتي في إكمال دراستها، فهي تتعلم في بيلاروسيا ولم تتمكن من السفر حتى الآن بسبب صعوبة تأمين الدولار، وأنا إقترحت على والدي الفكرة وهو يأتي لي بالبضاعة وأنا أبيعها". وعن كمية المبيع يضيف يزن أن "الدخل اليومي لا يتعدى الـ 20 ألف ليرة لبنانية، يذهب نصفها ثمن بضاعة والباقي أجمعه لمساعدة أختي، كذلك أريد أن أجمع مبلغاً لتأمين مصعد كهربائي في منزلنا، فوالدي يتعب ويهلك كل يوم حين "ينزلني ويطلعني"، لأن درج المنزل طويل ومتعب".

وببراءة الأطفال يتحدث يزن عن مركز بحنس ويقول: "كنت أتسلى بالمركز وكنت مبسوطاً، لأنهم كانوا يجرون لي علاجاً فيزيائياً وعلاجاً للنطق والحركة، وكنت أعمل على الكمبيوتر وأدرس كل شيء".




وإن كان ما يجمعه يزن يومياً لا يساوي دولاراً ونصف، لكنه يصرّ على أن يقف بجانب شقيقته ولو بجزء بسيط بعد أن إستشعر خطر خسارة شقيقته لجامعتها التي بدأت منذ أسبوعين، وفي هذا الإطار تقول الفتاة شقيقة يزن أنه "من المفروض أن أكون في الصف اليوم، ولا يزال لدي أسبوعان للذهاب إلى الجامعة وإلا فإني سأخسر السنة الدراسية". فإقامتها في بيلاروسيا إنتهت وتحتاج أسبوعاً لإنهاء ما يلزم والسفر وإلتحاقها بمقاعد الدراسة، وتضيف أن المشكلة ليست في تأمين سعر بطاقة السفر أو الإقامة بل في القسط الجامعي على مدار العام والذي يصل إلى 10 آلاف دولار.

والد يزن وهو الأب لشقيقتين أيضاً باع العام الماضي "بيك آب" كان يعمل عليه في بيع الخضار لدفع قسط إبنته الجامعي، وهو يعمل اليوم على سيارته الخاصة في توزيع الخضار على المحال لتأمين مستلزمات الحياة والقسط الجامعي لإبنته، التي أنهت ثلاث سنوات من دراستها في مجال الطب". واشارت والدته الى أن "العام الماضي وقبله كانت التكلفة تساوي 10 آلاف دولار أي 15 مليون ليرة لبنانية أما اليوم فهي تفوق الـ 75 مليوناً ونحن لا يوجد لدينا حساب في البنك بالدولار، فوالد الفتاة لم يتمكن سوى من جمع 12 مليون ليرة لبنانية أي ما يعادل 1500 دولار فمن اين نأتي بالباقي؟". وناشدت المعنيين إيجاد الحل كي لا تخسر إبنتها جامعتها وتعيد الدراسة من جديد في لبنان وبغير إختصاص، مضيفةً بأنها والوالد يعملان لأجل ابنتيهما لمساعدة شقيقهما يزن عندما يكبر.