كتب عماد الشدياق في “أساس ميديا”:
على وقع التفاؤل بإطلاق إطار التفاوض مع الإسرائيليين، تتوسّع العقوبات الأميركية ضدّ “حزب الله”. فبعد معاقبة مؤسسات وسياسيين وأفراد لبنانيين ضالعين في مساعدة الحزب، ينتقل المشرّع الأميركي اليوم إلى مرحلة جديدة، قد تفتح الطريق مستقبلاً أمام عقوبات من نوع مستحدث. عقوبات “موضعية” تطال مناطق جغرافية محدّدة دون سواها في الداخل اللبناني، وتطال “مصارف صديقة” ضمن مناطق نفوذ الحزب، وكذلك للمرة الاولى، قد تشمل سياسيين أجانب يثبت تعاملهم مع الحزب في الخارج.
الأربعاء الفائت، قدم رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي في مجلس النواب الأميركي النائب جو ويلسون، تشريعاً اسمه The Hezbollah Money Laundering Prevention Act of 2020 وهو تشريع “بعيد المدى” يهدف إلى “وقف أنشطة غسيل الأموال التي يقوم بها الحزب في جميع أنحاء العالم”، ويطالب رئيس البلاد بوصفه رأس السلطة التنفيذية، بوقف أنشطة الحزب ضمن المناطق الخاضعة لسيطرته في جنوب لبنان وفي منطقة “الحدود الثلاثية”: الأرجنتين والبرازيل وباراغواي.
التشريع يتحدّث عمّا يُسمّى “المصارف الصديقة” للحزب، وهو ما يُعدّ توصيفاً جديداً في مجال العقوبات الأميركية ومجال تصنيف المعَاقبين. وفي حال أبصر النور، فإن القانون سيكون قادراً على تحويل مناطق ومدن داخل لبنان إلى “جزر معزولة” عن بقية المناطق ومجرّدة من المصارف والمؤسسات الحيوية خوفاً من العقوبات. يقول ويلسون، إنّ مشروع قانونه سوف “يعزل المصارف في المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الجماعة الإرهابية”، كما سيقطع هذا القانون شوطًا كبيراً من طريق “تجفيف موارد وكيل الإرهاب الإيراني لشنّ هجمات قاتلة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.” وسيطلب التشريع من الخزانة الأميركية، تحديد ما إذا كانت مناطق معيّنة في لبنان مؤهلة لتكون مصدر “قلق أساسي في شأن غسيل الأموال”.
وقد انضمّ 12 نائباً أميركياً من الحزب الجمهوري إلى ويلسون في المطالبة بتمرير هذا التشريع، الذي وُصف بأنه من “أشدّ العقوبات التي اقترحها الكونغرس على الحزب”. كما كشف موقع “واشنطن فري بيكون” الأميركي المحافظ، تفاصيل هذا التشريع وما قد يحمله من تداعيات على المؤسسات المالية وكبار المسؤولين الحكوميين في لبنان خصوصاً، وكذلك المسؤولين الحكوميين الأجانب في كلّ من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا بوصفها مناطق “يتمتع فيها الحزب بوجود نشط ويحظى بتمويل ملحوظ”.
وفي هذا الصدد، يقول خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي، إنّ “استعمال مصطلحHezbollah friendly banks في هذا التشريع يُعدّ أمراً جديداً جداً. هذا يعني أنّ أيّ مصرف محلي يُصنّف صديق للحزب ستُفتح عليه أبواب العقوبات”. ويضيف فحيلي: “الأمر الآخر يتعلّق بالمساعدات المالية المخصّصة لإعادة الإعمار جراء انفجار بيروت. يبدو أنّ واشنطن تخشى من أن يكون جزء من هذه المساعدات التي فاضت على لبنان، كانت غطاءً لمدّه بالأموال، خصوصاً بعد التساهل لدى المصارف في إجراءات الحيطة والحذر المتعلّقة بتحويل الأموال. ربما يستحدث الحزب منظمات غير حكومية أو جمعيات، أو حتى يعمل تحت غطاء هيئات موجودة لجلب الأموال الخاصة به وليس لصالح الإعمار”.
ويتابع فحيلي “الذي يميّز هذا القانون أيضاً، أنّه قد يدخل للمرة الأولى إلى مناطق جغرافية محسوبة على حزب الله حصراً دون سواها. وهذا سيجعل أيّ مصرف محليّ يخطّط لفتح فرع جديد هناك، أنّ تعدّ للألف وليس إلى العشرة، لأنّ الانطباع العام سيكون أنّ كلّ مصرف يفتح في هذه المناطق هو صديق للحزب. وهذا يعيد فتح النقاش مجدّداً في ملف جمال ترست بنك الذي كان يحظى بامتداد جغرافي يفوق 80% من حجم انتشاره ضمن مناطق نفوذ الحزب. ربما كان ملفه بمثابة الـ version الخاصة بتطبيق هذا القانون قبل أن يصدر!”.
وكان النائب جو ويلسون، أكد أمام مجلس النواب خلال طرح التشريع أنّه “سيجعل من الصعب على حزب الله تنفيذ ما تريده إيران سعياً لدعم نظام الأسد المجرم في سوريا، وكذلك الحوثيين في اليمن، ومواصلة زعزعة استقرار الشرق الأوسط”، مبدياً امتنانه لزملائه الـ 12 في لجنة الدراسة الجمهورية بصفتهم رعاة مشاركين أصليين، آملاً أن يرسل هذا التشريع رسالة قوية إلى البيت الأبيض مفادها أنّ الجمهوريين في الكونغرس سيواصلون دعم المواقف المتشدّدة تجاه إيران.
أما دعوة مشروع القانون إلى اتخاذ إجراءات مماثلة لـ “مناطق حدودية ضمن المثلّث: الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، لأنّ هذه المناطق تشكّل بحسب الإدارة الأميركية “مركزاً رئيسياً لتهريب المخدرات والنشاط الإجرامي”، وما يسمّيه الموقع “مرتعاً مركزياً لتكاثر أنشطة الحزب على مرّ السنين”، حيث استُخدم لإدارة أنشطة المخدرات والأسلحة التي تموّل الحزب، بحسب الموقع نفسه.
وستستهدف إجراءات هذا القانون “حزب الله” في المكسيك وفنزويلا والأرجنتين وبنما وكوبا وبوليفيا أو أيّ دولة أخرى في أميركا اللاتينية تتعامل معه، وإذا أقرّ الكونغرس هذا التشريع، فستكون المرة الأولى التي يُعاقب قادة سياسيين أجانب لعلاقاتهم بـ”حزب الله”. وبحسب الموقع أيضاً، فإنّ مشروع القانون تلقى دعماً باكراً من منظمة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل (CUFI)، وهي إحدى أكبر المنظمات الأميركية المؤيدة لإسرائيل، والتي دعت إلى فرض عقوبات أكبر على الحزب لخنق عملياته في جنوب لبنان وزيادة الأمن على الحدود.
ويبدو أنّ الضغوط ستتزايد على “حزب الله” في المرحلة المقبلة ليس من الولايات المتحدة الأميركية فحسب. فقد كشفت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، أمس أيضاً، أنّ وزارة الداخلية الاتحادية تعتزم وضع “حزب الله” بجناحيه العسكري والسياسي على لائحة الإرهاب الخاصة بالاتحاد الأوروبي. وقال وزير الداخلية الألمانية هانز جورج إنجيلك العدد أمس: “حزب الله منظمة إرهابية. ولهذا السبب يجب وضعها بالكامل على قائمة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي. ونحن ملتزمون بذلك خلال رئاسة ألمانيا للاتحاد الاوروبي” (تولتها بداية تموز الفائت ولمدة 6 أشهر).
وفقاً لمعلومات “دير شبيغل”، فإنّ وزارة الخارجية الألمانية تدعم صراحة هذا المشروع، في حين تواصل فرنسا معارضة هذا الطرح وتصرّ على فتح الخطوط مع الحزب وطهران على السواء، وهذا ما ظهر في مسار المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل تشكيل الحكومة.
قد يقول قائلٌ إنّ التشريع الأميركي قد لا يمرّ في مجلس النواب، خصوصاً أنّ الديمقراطيين يسيطرون عليه، وقد تكون الانتخابات الرئاسية المحتدمة. هي التي تزيد كلّ يوم تفصيلاً جديداً يعقّد اللعبة الدولية، وتضع أسباباً إضافية لخلط الأوراق مجدّداً. الجواب على هذا السؤال بسيط: هذا الكلام قد يكون صحيحاً إلى الآن، لكن فلنتذكّر، كم استغرقت مناقشات قانون “ماغنيتسكي” وقانون “قيصر” حتى أبصرا النور؟ ها هما اليوم يوقفان منظومة الممانعة وحلفاءها على “إجر ونصّ”!