حَسَمَ "البنك المركزي" الجدليّة المترافقة مع التصريحات المتمحورة حول رفع الدعم عن السلع وتحديداً المحروقات. فقد قرر مصرف لبنان الاستمرار بسياسة الدعم أقلّه حتى نهاية العام الجاري بنسبة 90٪ على أساس 1515 للدولار. الا انه طلب من التجار تأمين مبلغ الدعم أي الـ90٪ بالليرة نقداً بدلا من تسديدها من حسابات قديمة.
الهدف من هذه الخطوة استكمال نهج شراء الوقت من دون تقديم أي بدائل عمليّة. فالمركزي يدرك جيدا ان الاحتياطي المخصص لديه لشراء المحروقات لا يتعدى الـ300 مليون دولار أميركي. وهو كافٍ لتغطية فروقات الدعم وتقلبات سعر الدولار في السوق السوداء حتى نهاية العام الجاري.
لم يوضح المركزي حتى اللحظة ما اذا كان قادراً على يجاد بدائل للخروج التدريجي من عُرف دعم السلع والبنزين والمازوت.كما انه لم يوضح أيضاً كيف سيتمكن من تأمين الأموال التي يتطلبها الدعم. الى ذلك، لم يعلن عن ما اذا كان سيستكمل نهج طباعة العملة بتواريخ تعود الى العام 2017 وإغراق السوق بكتل نقدية مضخّمة حتى ينجح بشراء الدولارات اللازمة من السوق السوداء.
بالمقابل، وفي إطار محاولاتها لضبط سوق التهريب الى خارج الحدود اللبنانية، كانت وزارة الطاقة والمياه- المديرية العامة للنفط قد أصدرت جدول تركيب أسعار جديد لحظت فيه مسألة تأمين الدولار في خانة جديدة (10% غير مدعومة من مصرف لبنان). خلال الأشهر الماضية، اعتُمدت آلية تقضي بأن يؤمّن التجّار والموزّعون 10% من ثمن المحروقات بالدولار الأميركي على أساس أن يُسدّد بقية المبلغ، أي 90%، بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي 1515. ذلك يعني أنّ المباحثات قائمة للتوصل الى ان تؤمن الشركات المستوردة الـ10٪ من الكوتا المطلوبة بالدولار نقداً(Fresh Dollar). من شأن هذه الخطوة ان تأتي بانعكاسات كارثية على الشركات التي تعاني بسبب احتجاز أموالها في المصارف اللبنانية، والتي وبحسب مصادر مطّلعة ستدفع بعدد من الشركات بالتوقف عن تغذية السوق المحلية بالمحروقات.
الى ذلك، فرضت المديرية العامة للنفط على التجار الراغبين بالاستحصال على حصص من منشأتي طرابلس والزهراني تأمين المبلغ كاملا بالليرة اللبنانية بعد أن كانت في المرحلة تستوفي ما نسبته 10٪ بالدولار الأميركي و90٪ بالليرة استناداً الى تعميم مصرف لبنان المتعلق بدعم المحروقات.
حتى اللحظة، ورغم تطمينات مصرف لبنان الموقّتة، يجهل اللبنانيون تماماً ما اذا كانوا سيضطرون قريباً إلى تغيير مفهوم آلية تعبئة الوقود من "تنكة بنزين" إلى "ليترات البنزين" كما هي الحال في الدول الأوروبية، مع ما يفرضه هذا الواقع الجديد من إيجاد لحلول بديلة تبدأ بترشيد الاستهلاك النفطي وتنتهي بإعادة احياء النقل العام المشترك- المحترم، خصوصاً وأنّ المواطن اللبناني وبدلا من الاعتراض على تهريب المحروقات المدعومة والاسعار الجنونية في السوق السوداء، يساهم بشرائها بأسعار خيالية خوفاً من فقدانها. وهو يجهل انه حتى ولو رُفع الدعم فان السعر لن يتجاوز سعر المبيع حالياً على أعين الأجهزة الرقابية والقوى الأمنية المعنيّة.
المصدر لبنان 24