اللبنة للأغنياء فقط! مافيا الحليب تسرق المزارع والمستهلك

طارت "أسعار" الحليب إلى درجة لم تعد في متناول جميع المستهلكين، إذ وصل سعر الكيلو الواحد الى نحو 9 آلاف ليرة، وفي بعض المحال التجارية إلى 14 ألفاً. «شنطة» الحليب التي كان تباع بأقل من ثمانية آلاف ليرة تسعّر بـ 36 ألف ليرة، وهي مرشحة للارتفاع، طالما أن الدولار الأميركي لا يثبت على حال. أدى ذلك إلى عدم قدرة كثيرين على شراء تلك السلعة، واستحال «الركّ» في الآونة الأخيرة على الحليب الطازج من صغار المزارعين كونه أوفر. لكن، ما الذي أوصل أسعار الحليب إلى هذا المستوى؟

قبل الأزمة الاقتصادية، كان السعر التوجيهي الذي حدّدته وزارة الزراعة لكيلو الحليب يدور حول 900 ليرة لدى المزارعين. مع تدهور حال الليرة، لم يعد السعر «يوفّي»، بحسب أمين سر نقابة مربي الأبقار عابد المجذوب. لذلك، أصدر وزير الزراعة عباس مرتضى، في آذار الماضي، القرار الرقم 156 الذي حدّد السعر التوجيهي لكيلو الحليب بـ 1350 ليرة. سارت الأمور على تلك الشاكلة، إلى أن علت صرخة المزارعين مجدداً فصدر قرار جديد في الثامن من الجاري حمل الرقم 79 أعاد تسعير كيلو الحليب بـ 3750 ليرة، أي بزيادة 269%. لكن، «رغم أن هذا السعر لا يظلمنا، إلا أنه لا ينصفنا»، يتابع المجذوب، مستشهداً بأن «سعر كيلو الحليب في أوروبا يبلغ 40 سنتاً، علماً بأن كل شيء هناك مدعوم من الدولة، أما هنا فبالكاد تعادل الـ 3750 ليرة عشرين سنتاً، وعلفنا لم يعد مدعوماً». ولذلك، بدأ بعض المزارعين بترك المهنة، فيما آخرون «صاروا يذبحون البقرة التي تنتج 20 كيلو حليب فقط يومياً».

أصحاب المعامل يتذرّعون بالدولار ويستفيدون من استمرار الدعم

هذا «كلّو كوم وأصحاب المعامل كوم تاني»، يقول المجذوب، إذ إن هؤلاء يتصرفون مع المزارعين «مثل المافيات. يتفقون في ما بينهم على سعرٍ واحد لشراء الحليب، فلا يمكن التفاوض مع أحدهم على سعرٍ أعلى. ولا يمكن فرض سقف للتعامل معهم، فهم الأقوى هنا، علماً بأنه إذا انتهينا نحن فسينتهون هم معنا، وخصوصاً في ظل عدم قدرتهم اليوم على شراء الحليب البودرة كما في السابق». ويضيف «فليعطونا على الأقل سعر كيلو حليب البودرة».

أما أصحاب المعامل، فلهم وجهة نظرٍ أخرى لارتفاع السعر مبنية على جملة أسباب، تبدأ بكلفة تبريد الحليب ونقله ومواد التغليف وغيرها من المواد التي تدخل كلها ضمن سلة المستورد وتخضع لتقلبات الدولار. يبدأ مازن خوري (معامل ديري خوري) بالتبريد «الذي يكلف 100 ليرة للكيلو في أرضه و150 ليرة كلفة النقل إلى المعمل، وبذلك يصل إلينا بسعر 4 آلاف ليرة». ويضاف إلى ذلك أسعار مواد التغليف من بلاستيك وغيره التي تتأثر بسعر صرف الدولار وبالأسعار العالمية، «وتصل إلى نحو 7 آلاف ليرة». لكل هذه الأسباب، يعتبر خوري أن الأسعار في السوق «لم ترتفع بمستوى ارتفاع الدولار. فكيلو اللبنة كان يباع في السابق بتسعة آلاف ليرة، أي ستة دولارات، أما اليوم فيباع بـ 24 ألف ليرة أو ما يساوي دولارين، أي أننا نسعر على دولار 4 آلاف ليرة». ويشير إلى أن سعر الحليب من المزارعين «ارتفع أربع مرات ونصف مرة، من 900 ليرة إلى 3750 ليرة، أما أسعار المنتجات، فقد ارتفعت مرتين ونصف مرة»!

هكذا، يبرر أصحاب المعامل ارتفاع أسعار الحليب وغيره من المنتجات. ولكن، ماذا عن استفادة هؤلاء من الدعم الحكومي مثل الكهرباء والمازوت وبقاء الرواتب على حالها؟ يعترف خوري بأن تلك الأمور «ساعدتنا، إلا أنها لا تساوي الكثير أمام الأسعار الأخرى التي يتحكم فيها الدولار».

مع ذلك، لا شيء يبرر للمستهلكين ارتفاع أسعار الحليب أربع مرات، فهل هذه الأسعار هي ما يفرضها الدولار؟ أم خوف المصانع على أرباحها؟