حليب الاطفال 'إنشقّت الارض وابتلعته'... فهل من حلّ قريب؟

ما نمتلك من "حليب" قد يكفي ابنتي لمدة اسبوع كامل بأفضل الحالات"، هذا ما تقوله السيدة غادة عبدالله لـ"لبنان 24"، وفي عينيها علامات من القلق والخوف والغضب تظهر في آن واحد، وكأن الزمن، كله بصعوباته وتحدياته ينحصر في عينيها الباحثتين عن طعام لابنتها.

فغادة، التي انجبت طفلتها الاولى منذ اشهر قليلة تخبرنا عن "سفراتها" المتتالية الى الصيدليات القريبة والبعيدة، فتقول "بات شغلي الوحيد هو تتبع علبة الحليب من صيدلية الى أخرى، ومن منطقة الى أخرى. فاليوم مثلا، ذهبت الى ألأكثر من 7 صيدليات، محاولة الحصول ولو على علبة حليب واحدة من النوع الذي وصفه الطبيب لابنتي، لكن عبثاً حاولت، فاتصلت بالطبيب، الذي اقترح عليي نوعين آخرين كبديل للنوع الاول، فاستعدت تجربتي الاولى وقررت البحث من جديد، لتكون النتيجة مشابهة، فحليب الاطفال إنشقّت الارض وابتلعته".




وتضيف غادة "لم اكن أتصور أنني ساصل الى هذه المرحلة، فمنذ ان انجبت طفلتي، كانت الازمة موجودة، حاولت مع زوجي تخزين ما استطعنا من علب الحليب، لكن، مع انخفاض القيمة الشرائية لمعاشاتنا ومع الازمة الحالية، لم نتمكن من تخزين كمية كبيرة، واليوم وصلنا فعلا الى المشكلة، مخزوننا شارف على الانتهاء، والصيدليات لا تبيع، ولا بديل ممكنا عن حليب الاطفال المدعّم، لاسيما في الاشهر الاولى من عمر الطفل، لا يمكنني ان اضيف شيئا، اريد فقط ان اصل الى الحلّ، (المهم يعطوني علبة الحليب وياخدوا حقها قد ما بدن)".

بهذه الكلمات تختم غادة معاناتها، التي تتشارك فيها مع شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين انهالت عليهم المشاكل والازمات كأمطارالشتاء في عزّ عواصفه. فازمة حليب الاطفال بدأت تتفاعل منذ بداية الازمة اللبنانية، اذ حلّقت اسعاره عاليا، فضلا عن اعتماد مبدأ التقنين في بيعه، تصل اليوم الى ذروتها، اذ تشهد الصيدليات انقطاعا شبه تام بمختلف انواع الحليب المخصصة للاطفال دون السنة الواحدة، ويعاني المواطن من صعوبة في الحصول على مختلف الانواع المخصصة للاطفال الذين تتخطى اعمارهم السنة الواحدة.

مخزون الشركات المستوردة... ليس بخير
في اتصال مع "لبنان 24"، يقول نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة، "انه وبعد متابعته لموضوع ازمة حليب الاطفال المستجدة، مع كبار المستوردين، يمكن التأكيد ان الشركات المستوردة زودت السوق اللبنانية بكمية كبيرة من حليب الاطفال، خلال الفصل الاول من هذه السنة، وهذه الكمية تفوق بنسبة متقدمة مثيلتها في السنة الماضية، مع العلم ان الحاجة في مجال الحليب لا ترتفع عادة بوتيرة متقدمة جدا.

وهذا ما يشير صراحة الى ان الاشكالية موجودة في موضوع التخزين الذي يتبعه المواطن اللبناني خلال هذه الفترة، لا بل يمكن ان تكون المشكلة ناتجة عن تهريب البضائع المدعومة، التي يشكل حليب الاطفال جزءا منها".





كما يؤكد جبارة "انه نظرا للاوضاع المالية الحالية ولازمة المصارف، كما التحويلات بما يخص البضائع المدعومة، تبدو كمية استيراد حليب الاطفال متدنية بالمقارنة مع السنوات السابقة، وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى أن كمية الطلب كبيرة على حليب الاطفال وكمية الاستيراد قليلة، ما يجعل مخزون هذا الحليب في خطر، ما لم تتخذ السلطات المختصة التدابير اللازمة".


امساك او اسهال ومشاكل أخطر قد يعاني منها الاطفال
مشاكل متعددة على الصعيد الصحي قد تسببها ازمة حليب الاطفال القائمة اليوم، اذ يؤكد المتخصص بطب الاطفال، الدكتور جان فريحة لـ"لبنان 24" ان القيمة الغذائية لمختلف انواع الحليب الخاص بالاطفال ما دون السنة، هي تقريبا نفسها، اي يمكن التأكيد ان النوعيات شبه متكافئة من حيث قدرتها على تأمين الغذاء للطفل.

لكن المشكلة تكمن، في أن عملية تبديل النوعيات التي يلجأ اليها جزء كبير من الاهالي حاليا، قد يسبب الاسهال او الامساك عند الاطفال، فضلا عن مشكلة عدم تقبل الطفل للنوعيات المختلفة، اذ انه يعتاد على مذاق معين، لا يمكن تغييره وتبديله بسهولة. أما المشكلة الحقيقية فتبقى عند الاطفال الذين يعانون من مشاكل حساسية الحليب، الذي قد يؤدي استهلاكهم لحليب آخر مختلفا عن "الفورمولا" الخاصة بهم، إلى مشاكل في النمو وضيق تنفس ومشاكل هضمية وخروج دم وغيرها من المضاعفات".

كميات ضئيلة جدا تسلّم الى الصيدليات
وفي هذا الاطار، تقول السيدة ثريا الحكيم، صاحبة احدى الصيدليات في جبل لبنان، لـ "لبنان 24" ان "المشكلة يمكن تحديدها في 3 اتجاهات، الاول متمثل في كمية علب الحليب التي تسلّم لنا كصيدليات، اذ يصل الينا من الموزعين كميات ضئيلة جدا من بعض الانواع، وضئيلة جدا من انواع اخرى. اما الاتجاه الثاني، فهو العنصر الزمني، اذ تعمد بعض الشركات، الى تزويدنا بالكميات الضئيلة مرة في الاسبوع، في حين تعمد شركات أخرى الى التسليم مرتين كحد اقصى في كل شهر، والاتجاه الثالث للمشكلة، هو رغبة التخزين الموجودة عند عدد كبير من الزبائن، التي وان كانت مبررة، فهي تؤدي الى لامساواة في توزيع الكمية الموجودة، ويبقى ارتفاع الاسعار، هو المشكلة الاكبر في ما يخص حليب الاطفال، واليوم يمكن الحديث عن انقطاع شبه تام في في علب الحليب المخصصة للأطفال ما بين 6 أشهر وسنة من مختلف النوعيات، وصعوبة كبيرة في الحصول على علب الحليب المخصصة للأطفال ما بين سنة وثلاث سنوات.