نافذة داخلية وخارجية سانحة للتأليف فهل يُقْدم الحريري؟

يتردد الرئيس المكلف سعد الحريري في إعلان قراره بالاعتذار. ويردد المقربون منه أنه لن يقدم على أي خطوة تعدّ بمثابة هدية الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، فيما الأخير يقول علنا أن اعتذار الحريري خسارة للتيار وليس ربحا له (بخلاف ما تردد الحلقة الصغيرة المحيطة بالحريري)، وأنه لم يأل جهدا لتذليل كل العقبات، المفتعلة بمعظمها، لكي يبادر الحريري الى التأليف. وما يقوله باسيل علنا يقوله أضعافا في مجالسه. تقتضي المصلحة بتسهيل مهمة الحريري، بصرف النظر عن موقف التيار منه ومن أدائه وآليات عمله، ومقاربته للعلاقة منذ 17 تشرين، يوم قرر الإستقالة من جانب واحد دون أن يسأل حتى رئيس الجمهورية، الشريك المفترض منذ 31 تشرين الأول 2016، ففسخ بذلك أحاديا عقد التفاهم الذي أرسي معه في خريف العام 2016، رئيسا للحكومة على إمتداد عهد ميشال عون.
صار واضحا، داخلا وخارجا، شرقا وغربا، أن العقبة الأساسية التي تحول دون أن يبادر الرئيس المكلف، تكمن تحديدا في الموقف السعودي منه، وهو موقف ببعدين سياسي وشخصي. كما صار واضحا أن الرجل، حتى لو نوى التأليف، ليس بقادر على مخالفة القرار السعودي، ولعلمه كذلك أن أي حكومة تفتقد غطاء الرياض لن تكتب لها القدرة على الإتيان بالمساعدات الدولية، وتاليا ستتوفى حكما وليدة، ساعة صدور مراسيم.
والمستغرب أن الرهان حدّ التسليم بالتطور الخارجي، لم تتوقف ساعته عن الدوران. فثمة من ينفخ في آذانٍ وعقولٍ للعب على التناقض المستجد السعودي – الإماراتي بإرهاصاته الخليجية والعربية والإقليمية الكثيرة (على سبيل المثال، نائب رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان يلتقي الأربعاء القائم بالأعمال الإيراني سيد محمد حسيني لمناقشة "سبل تعزيز التعاون الثنائي لخدمة المصالح المشتركة للبلدين الصديقين")، لكن الحريري هو أعقل، على الأرجح، من أن يسمع لهؤلاء النافخين.
يحتاج الرئيس المكلف الى جلسة مع الذات. لا بأس إن يوظّف ساعات الراحة في سفراته الكثيرة، ليقْدم على مراجعة شاملة لمساره السياسي منذ أن أُدخل غريبا الى السياسة اللبنانية إثر 14 شباط 2005 بتزكية شخصية من الملك عبد الله. فليتمعّن كيف بدأ خطاه الأولى في الزعامة بالإحتضان اللبناني والعربي والدولي الكامل تضامناً وتعاطفاً وتأييداً، وأين إنتهى في عزلة عربية ودولية، ما خلا الإحتضان المصري، ومحلية نتيجة خصومات واسعة مع كل الجماعات السياسية الوازنة، من التيار الوطني الحر الى القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي ومجموعات المجتمع المدني، وقبلها خلافه مع نادي رؤساء الحكومات السابقين.
فليضع جانبا، قليلا، "فوبيا جبران"، وما فعله الرجل في عواصم الأرض بحثا عن سبيل لإستنقاذه من محنته:
1-لا بأس إن تأمّل إلامَ إنتهت علاقته برئيس الجمهورية، الذي سمّاه يوما، بل أياما ملاحا، "إبني"، ودمعت عيناه يوم إحتضنه تحت غلال إستقلال العام 2017، عائدا من محنته وكربته.
2-ولا بأس كذلك إن تمعّن في ما إنتهت اليه صلته بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لم يعدم وسيلة، دولية وإماراتية، لإخراجه من حيث أغرق نفسه.
3-ولا بأس أيضا إن تمحّص في مآل علاقته مع المملكة، حضنه الأول الى حين الـ2017، ومربط خيل الحريرية السياسية. ترفض إستقباله، لا بل حتى مجرّد سماع ذكره.
لم يعد له واقعا سوى رئيس مجلس النواب نبيه بري حليفا لا بل أبا روحيا ومنقذا وموجّها وملهما، فيما حزب الله يقارب العلاقة معه وفق المصلحية الديمغرافية والسياسية المعروفة: من أفضل من الحريري، بحاله الراهنة الواهنة، رئيسا للحكومة؟ ما الخيار الأفضل من تبنّيه حليفا، على ما سماه السيد حسن نصر الله أخيرا، ليبعد عنه محرَّم (بمعنى الـTaboo) التلاعب بالفالق السني – الشيعي؟
ثمة فرصة خارجية تلوح راهنا، معطوفة على قرار حاسم عند جبران باسيل بتذليل أي عقبة، كل عقبة، حتى يؤلف، لا بل بمنعه بشتى الطرق والوسائل عن الاعتذار. آلية تسمية الوزيرين المسيحيين جاهزة وواضحة بما يرضي شرع الله. والثقة لن تكون عقبة ويمكن بيسر توفير حل لها.
الفرصة تلوح، داخلا وخارجا، لبنانيا وعربيا وفرنسيا وأميركيا. لم يبق أمام الحريري سوى إلتقاطها، فهل يقْدم؟