أزمة الفيول تنعكس على تغطية 'الانترنت'.. العمل عن بُعد لم يعد مُمكناً!

منذ تفشي "وباء" كورونا، إعتمد العالم نظام العمل عن بعد لتفادي إنتشار الوباء ولضمان إستمرارية العمل في ظل الإقفال العام، أثبتت تقنية العمل عن بُعد فعالية مميزة، فهي من ناحية محفزّة للعامل بالقيام بواجباته من المكان الذي عادةً ما يجد أقصى راحته به، ومن ناحية أخرى وفرت على صاحب العمل تكاليف كهرباء ومياه و»انترنت» وبدلات نقل، وأبعد من ذلك هناك أعمال قائمة بذاتها على العمل عن بعد.

تبدو الأمور من الخارج جيدة جداً، ولكن كما أي ملف، المقاربة مع الواقع اللبناني مؤلمة.

بغض النظر عن كون واقع قطاع الإتصالات في لبنان ما زال متخلفاً وهو ما يضع لبنان في آخر المراتب العالمية من حيث الأسعار والخدمة والسرعة، حتى أن ما أشعل «ثورة 17 تشرين» هو المساس بالتكلفة المرتفعة أصلاً لخدمة التواصل عبر «الانترنت»، الا انه قد تدهور بشكل سريع كما غيره من القطاعات مع تدهور الوضع الإقتصادي، وبرزت أهميته مع إعتماد نظام التعليم عن بُعد الذي تزامن مع الإقفال العام، حيث واجهت شريحة واسعة من اللبنانيين مشاكل في تغطية التكاليف أو مشاكل تقنية تتعلق في خدمة الانترنت نفسها.




رغم رفع قرار الحظر في لبنان، ما زالت العديد من الشركات والمؤسسات تعتمد نظام تشغيل لموظفيها بأعداد محدودة من ضمن الاجراءت الاحترازية التي تستمر في اعتمادها في مواجهة الوباء. هذا النظام تعتمده الشركة التي تعمل بها السيدة كريستينا ضاوي والتي تحدثت ل «الديار» عن معاناتها المادية والتقنية معاً مع عملها عن بُعد. بدأت ضاوي العمل عن بُعد منذ آذار من العام 2020 وكانت تعتمد على تغطية «الانترنت» الموجودة في منزلها أساساً كما معظم منازل اللبنانيين بتكلفة إشتراك شهري تبلغ خمسون ألف ليرة لبنانية.



لم تعتبر السيدة حينها أن الكلفة هذه قد تتغير وتصبح عبئاً عليها، أو أن الأزمة التي تعصف بلبنان قد ترخي بظلالها على الموظفة المتواضعة وتصل حد المساس براتبها الشهري. تعمل ضاوي في مجال خدمة الزبائن وعملها يستوجب عليها أن تكون حاضرة لتلبية زبائن الشركة عن طريق الإتصالات عبر برنامج تعتمده شركاتها على «الانترنت»، أو عبر الرد على الرسائل الإلكترونية بشكل فوري أو ضمن وقت قليل.


تقول ضاوي أن الأمور كانت تسير على ما يرام، الى أن بدأ الإرتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار والذي أدى الى إرتفاع التكلفة الشهرية لإشتراك «الانترنت» من خمسين ألفاً الى سبعين، ولكن لم تكن هذه المشكلة الرئيسة، بل إن معاناة السيدة بدأت فعلياً مع أزمة الكهرباء والشح في المازوت اللذان تسببا في تقنين إشتراكات المولدات التي ارتفعت تكلفتها أصلاً بشكل سريع وكبير.




تعمل ضاوي عادة من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء، ومالك المولد في المنطقة التي تقطن بها يعتمد نظام التقنين أربع بأربع، أي أنه يبدأ التقنين منذ السادسة حتى العاشرة صباحاً ومن الرابعة عصراً حتى الثامنة مساءً.

حاولت ضاوي تدارك الأزمة منذ البداية، فاقتنت ما يعرف بمخزّن الطاقة Power Bank للمحاولة على الإبقاء على مكنة إشتراك «الانترنت» في منزلها قيد العمل اثناء انقطاع التيار بشكل كلي، ثم ما لبث أن تلاشى الحال عندما اصطدمت بعدم قدرة مالك «الانترنت» على مد مكانته بالطاقة الأكثر من ساعة ونصف بعيد إنقطاع الكهرباء والإشتراك (عمر البطاريات). لم تقف محاولتها عند هذا الحد، لا بل حاولت أن تشترك بخدمة «الانترنت» عبر الهاتف بتكلفة تبلغ خمس وسبعون ألف ليرة لبنانية لستة جيغابايت، ولا تكفيها أكثر من أسبوع عمل، لكنها اصطدمت أيضاً بغياب تام لتغطية شبكات «الأم. تي. سي» في منطقتها بسبب نفاد المازوت وعدم قدرة الشبكة على تأمين تغطية للخطوط الهاتفية.

قضايا تناول موضوع إنقطاع الانترنت من زاوية حقوقية، معتبراً أن التعتيم الناجم عن الإنقطاع يؤثر بشكل مباشر على حقوق الانسان لناحية عدم إمكانية رصد، عرض، وفضح أي انتهاكات خصوصاً أنه وخلال العامين المنصرمين لعبت المنصات الرقمية، الجرائد الإلكترونية، ووسائل التواصل الإجتماعي دورا كبيرا ساهم في فضح انتهاكات المصارف والأجهزة الحكومية كالإعتداءات على المتظاهرين مثلا وغيره من الأمور الأخرى.

واضاء على الدور الذي لعبته منظمة «سمكس» في الضغط على هيئة اوجيرو للإعلان عن أوقات القطع وعودة الانترنت للعمل حتى باتت تلتزم الامر وتقوم بالإعلان عن ذلك بشكل محدَث، بينما تمتنع ألفا وتاتش حتى وإن كان الأمر يتعلق بالقيام بأعمال الصيانة.

أهمية الإعلان عن الأمر وفق قطايا تتمثل في أهمية إعلام المستخدم كونه قد يكون عمله يعتمد على الانترنت بشكل كل، وبالتالي فإن ألفا وتاتش مطالبتان بالتعويض على المستخدمين وفق مبادئ الأمم المتحدة المنضوية تحت ما يعرف بـ «مبادئ الأعمال التجارية وحقوق الانسان» التي تلزم التعويض للمستخدم في حال حصول أي عطل ليس له أي ذنب به، هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى، «ألفا» و»تاتش» و»اوجيرو» مطالبين أيضاً بتحسين الخدمة، خصوصاً وأنها مؤسسات حققت أرباحاً طائلة إلى حد أطلق على القطاع إسم نفط لبنان، وكان بامكانها تحسين الخدمة عندما كان الدولار يوازي ١٥٠٠ ليرة لبنانية، وبالتالي التذرع بفارق العملة الآن انما هو غير منطقي وغير عادل، كما أنهم مطالبين بالكف عن «تربيح الجميلة» بتوفير الخدمة على سعر ١٥٠٠ علماً أنها لم توفر للمواطن أي انجازات تذكر قبل الإنهيار عندما كانت كافة الإمكانية متوفرة وبشكل هائل.

واكد ان الحل الآن يكمن في التفكير بالعديد من الحلول وفي الإستثمار في الطاقة البديلة، وأن تقوم الدولة نفسها بتأمين المازوت لقطاع الإتصالات لتفادي التعامل مع السوق السوداء.