هوكشتاين يلعب بين الخطّين*أم مقايضة شبعا وتلالها بحقلٍ أو كلا الحقلين.!

في ظلّ أصعب الظّروف الّتي تمرّ بها البلاد اقتصاديّا ومعيشيًّا وأمنيًّا… وبين فصلي تشكيل الحكومة وانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، وفي ظلّ عدم وجود موقف رسميّ موحّد في عمليّة التّفاوض غير المباشر مع الكيان الصّهيونيّ وسط ضياع الموقف اللّبنانيّ بين اعتماد الخطّ 23 أو الخطّ 29، وبعد تلكُّؤ المسؤولين عن الرّدّ على العرض الأمريكيّ الأخير الّذي قدّمه الوسيط آموس هوكشتاين، إذ تنشط قبيل وصوله بورصة المفاوضات فوق الطّاولة وتحتها، فالأسئلة الّتي تطرح نفسها: هل توقيت وصول سفينة الاستخراج هو لقطاف محصول الحصار الاقتصاديّ على لبنان؟ وهل جاءت السّفينة بأوامر المفاوض الأمريكيّ هوكشتاين؟؟

إذًا، بعد جولاتٍ وصولاتٍ للمفاوضات عبر الوسيط الأمريكيّ، وبعد أن أخذت تلك المفاوضات غفوة، أيقظها هوكشتاين بإرسال سفينة الاستخراج إلى جنوب الخطّ رقم 29 من حقل “كاريش” أي المنطقة الّتي تشكّل صلب النّزاع بين الطّرفين، أي بمعنى ليست داخل المنطقة اللّبنانيّة ولا ضمن منطقة الكيان الصّهيونيّ، وهذا يعني أنّ اختيار النّقطة الّتي أرست فيها السّفينة مدروسة بعناية، وهي من اختيار المفاوض وذلك كعمليّة استفزاز للطّرف اللّبنانيّ لتحريك ملفّ المفاوضات من جديد في أكثر الظّروف تحسّسًا بالتّزامن مع انطلاقة عجلة تشكيل الحكومة واقتراب موعد انتخابات رئاسة الجمهوريّة، إذ يجد هوكشتاين أنّ هذا التّوقيت ملائمٌ بشكل كبير لرفع سقف المطالب في المفاوضات للضّغط على الطّرف اللّبنانيّ، وإجباره على التّنازل من أجل كسب المزيد لصالح الطّرف الإسرائيليّ.

لذلك، ومع اقتراب موعد وصول المفاوض هوكشتاين إلى بيروت، حيث من المتوقّع ان يكون سقف مطالبه عاليًا وفقًا للظّروف المستجدّة في المنطقة المتنازع عليها، ومن الواضح أنّ الخطّ 29 قد انقطع لكثرة الشّدّ به بين الطّرفين إلّا أنّ هناك خطًّا جديدًا قد يتمّ الإعلان عنه قريبًا هو الخطّ 26 (خط هوكشتاين)مع تعديل بعض المساحات. أمّا في حال فشل الوصول إلى حلّ بين الخطوط قد يلوّح هوكشتاين بورقة المقايضة بين الحقلين ( قانا و كاريش) و ربما بمنطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا حيث همس في بعض الأوساط عن شيء من هذا القبيل.

أمّا على الصّعيد اللّبنانيّ الرّسميّ، وفيما خصّ الخطّ 29, فإنّ هوكشتاين ومن وراءه من الدّيبلوماسيّة الأمريكيّة يعلمون جيّدًا بأنّ حكومة تصريف الأعمال ليست بوارد الانعقاد لتعديل المرسوم رقم 6433/2011 وإقراره، وبأنّ رئيس الجمهوريّة لن يوقّعه وبذلك لن يتمّ إيداع الإحداثيّات لدى الأمم المتّحدة ، حيث من المفترض أن يتمّ عكس ذلك قبل زيارة المفاوض الأمريكيّ ليكون التفاوض وفقًا للشّروط اللّبنانيّة، وليس وفقًا للشّروط الأمريكيّة الإسرائيليّة.

إذًا، وبعد أن رست سفينة الاستخراج ENERGEAN POWER جنوب حقل “كاريش” وعلى بعد 5 كلم من الخطّ 23, حيث بدأت العمل على تثبيت موقعها، وتجهيز عمل المنصة مع سفينتين على متنها: الأولى خاصّة بإطفاء الحرائق Boka Sherpa والثّانية Aaron S McCal الخاصّة بنقل الطّواقم والعاملين فيها الّذي يبلغ عددهم في الوقت الحاليّ 80 عاملًا بين فنّيّ وتقنيّ سيزداد تبعًا مع تقدّم عمليّات الاستخراج، وستبدأ بمدّ وتثبيت القواطع والوصلات باتّجاه شاطئ Dor الإسرائيليّ لتبدأ بعدها مرحلة الانتاج ( وفقًا لموقع الشّركة البريطانيّة اليونانيّة)، إلّا أنّ مزاعم الاستخراج هذه هي ادّعاءات فقط وإسرائيل لا يمكن لها أن تسحب نقطة واحدة من الغاز قبل ترسيم الحدود البحريّة، وأنّ كلّ ما يجري اليوم هو عمليّة ضغط واستفزاز للّبنانيّين لتسريع عمليّة ترسيم الحدود وفق الشّروط الأمريكيّة الإسرائليّة في ظلّ الأوقات الحرجة حيث يكون التّنازل أسهل من أيّ ظرف آخر. وأنّ إسرائيل نفسَها تعرف بأنّها غير قادرة على الاستخراج بل مجرّد عمليّة رفع سقف المفاوضات في ظلّ أحلك الظروف الّتي تمرّ بها البلاد حيث يتوقّع الكيان الصهيونيّ أن يتنازل لبنان عن بعض من شروطه مقابل انتهاء أزمته.

أخيرًا، سواء رست السّفينة شمال أو جنوب حقل »كاريش » أو في أيّ نقطة بينهما فإنّ ذلك يعد اعتداء كون الحقل مشتركًا، وبالتّالي لا يستطيع أحد من الطّرفين أن يستخرج منه نقطة واحدة من الغاز.
لذلك، على لبنان الرّسميّ التّحرّك عاجلًا تجاه الأمم المتّحدة بعد تعديل وإقرار القانون رقم 6433/2011 والّذي يفيد بأنّ الخطّ رقم 29 هي الحدود البحريّة للبنان مع فلسطين المحتلّة ( في حال لم تنضج طبخة خط هوكشتاين 26), وبذلك يمكن للبنان اعتراض السّفينة بالطّرق الّتي يراها مناسبة.

في الختام، ماذا سيجني هوكشتاين الّذي أرسل سفينة الاستخراج من دورة المفاوضات القادمة؟ هل سيتمّ فعلًا إلغاء الخطّ 29 بخطّ جديد أم تعديل للمساحات أم مقايضة بين الحقول؟ وهل يتمّ تغيير المفاوض باللّحظات الأخيرة وفتح مزيد من الوقت الضائع لصالح العدوّ؟
—————————————
د. إبراهيم كرشت
دكتوراه في إدارة منشآت النّفط والغاز وحوكمة الطّاقة.